متلازمة القدم المُسطحة
هذا الصباح تيقنت بأن الوسيلة الوحيدة لعيش الحياة هي (التعايش) تتعايش مع وضعك وتفاصيل يومك حتى وإن كان هناك بركان في داخلك يكاد أن ينفجر ويُفسد كل ما حاولت وبذلت وقاومت من أجله.
كل يوم استيقظ صباحًا، أُلملم ما تبقى لي من ملامح الأمس وبقايا الجسد المُنهك. ألتقطها واحدة تلو الأخرى وأجمعها مع بعضها البعض وانهض.
أتجاهل الألم الذي ينهش أعلى ظهري في المنطقة التي يلتقي عندها الكتفين، وأمشي حافية على أرضية المنزل لكي أُبرد حرارة باطن قدماي التي تشتعل لمجرد أني مشيت أو وقفت أكثر مما يُمكنها تحمُله الليلة الماضية. أذكر ذات يوم، وفي زمن بعيد، حاول أحدهم أن يستخف دمه حين رآني في حيرة من أمري أُفتش في متجره عن حذاء يناسب مقاس قدماي، وحين ملل البحث في مستودعه قال لي لا أعتقد بأنك ستجدين شيئًا هنا، اذهبي لقسم الأطفال وهناك ستجدين ما يناسبك قدمك.
أذكر حينها بأني رمقته بنظرة وخرجت وأنا غاضبة.. يتكرر المشهد والنظرات التي تختبئ خلفها الكلمات في كل مرة أفتش فيها عن حذاء أو كعب نسائي يناسب قدمي الطفلة، وكأن عملية نمّو جسدي نسيت أن تتم احدى مهامها، لكن هذا البائع قرر أن يخرج عن صمت كل من مررت بهم ويتفوه بما لم يجرؤوا على قوله لي مباشرة.
أجر قدماي الصغيرة، أجعلها تنعم بلحظات تمنحها البرودة المطلوبة لتخفيف الحرارة ثم ارتدي حذاء المنزل المريح، لأنه إن تماديت قليلًا في التجول في منزلي دونها سيبدأ موال آخر من الألم بسبب صلابة الأرضية. تسكُن الحرارة ويبدأ الألم.
وهذا ما يُبقيني في حيرة على الدوام، وأتساءل عما قد يحصل لي إن تقدمت في العمر أكثر.. هل هذا الجسد سيحتمل الألم الذي ليس له علاج؟ قدم مسطحة بمقاس ٣٦ وظهر متورط بعامود فقري يُعاني من انحراف وميلان لجهة الكتف الأيمن.. ما يجعل هذا الجسد في دوامة ألم لا نهاية لها، يُشبه الدوران في حلقة مغلقة، لا سبيل لمفر أو خلاص. واستمراره في العيش أشبه بفأر حبيس يبذل قُصارى جهده في الجري على العجلة ظنًا منه أن هناك محطة وصول.
قررت أن أكتب عن ألمي الذي لن يفهمه أحد سوى من كان نصيبه من الدنيا جسد مثل الذي أعيش به ومن خلاله، لأنه وحدها الكتابة التي تجعلني أتخفف مما تشبث بي وعلق ولو بشكل مؤقت.
لم أفكر كثيرًا حول المكان الذي سأنشر فيه هذه التدوينة البائسة، عدتُ لمدونتي التي فتحتها في أوجّ حماستي قبل أكثر من ١٠ سنوات. حينما كانت تمتلكني طموحات لا سقف لها حول مشاريعي في الكتابة وشغف الصحافة، ومستقبلي المهني فيها والمكان الذي أطمح أن أصل له. وحين شققت طريقي وأصبحت الكاتبة التي كنت أطمح؛ خُنت هذه المدونة وهجرتها. والآن وبعد مُضي سنوات وسنوات، تزوجت وأنجبت وكتبت في مجالات عدة ونشرت وفزت بجوائز؛ عُدت هنا لكي أكتب عن إشراق نفسها لا المشاريع التي تنفذها، ألمها وصراعاتها التي تخوضها بصمت مع ذاتها ولا يمكنها أن تتخفف منها سوى بفعل الكتابة.
بدأ مفعول الحبة المُسكنة.. انتهت هذه التدوينة.
تعليقات
إرسال تعليق