القراءة في ظل التقدم التكنولوجي

للتو انتهيت من قراءة كتاب قدمي اليسرى للكاتب كريستي براون . .
يعتبر هذا الكتاب أول كتاب أقرأه من الإنترنت، بالرغم من اندفاع الكثير لاستغلال مثل هذه التقنية، فـ من وجهة نظرهم سهلت عليهم مهمة الذهاب إلى المكتبة والبحث عن الكتاب الذي يودون قراءته، كما وفرت المال أيضًا فالقراءة من الإنترنت لا تتطلب مالًا بل مجرد تحتاج إسراف بالنظر قد يؤذي العينان إلى شاشة الابتوب أو الجهاز المحمول.
يعود سبب تهجمي هذا حول من يحبون القراءة من الإنترنت هو أنهم أفسدوا جمالية أمور عدة لايمكن أن تحدث أو نحس بروعتها إذا اتبعنا هذه الطريقة الجديدة واهملنا سابقتها بحجة التقدم التكنولوجي وتوفير إما المال أو الجهد أو كلاهما! .
فـ أنا بهجتي تكاد لا توصف إذا كنت مرتبة يومي بأنه ستكون إحدى فقراته الذهاب إلى المكتبة لكي أشتري مقتنيات لرياضة المخ! الرياضة المحببة والأقرب إلى نفسي، إذ وكما أن أرواحنا تحتاج للغذاء والحب والموسيقى؛ عقولنا تحتاج إلى رياضة تكاد تماثل أهمية الرياضة البدنية.
مرحلة البحث في أقسام المكتبة وإكتشاف كتب جديدة لم تسمع بها من قبل وتصفح بعضها وأخذ فكرة عنها واكتساب بعض المعلومات جديدة؛ أمر جماليته مفقودة . . نعم صحيح أنا أتفق معكم يمكن أن يحدث ذلك حينما نقلب صفحات الموقع الإلكتروني الذي يحوي عددًا من الكتب لكن بنسب ضئيلة، ذلك ولأننا في الغالب بشر ميالون لكل ما هو سريع مواكبًا لعصرنا هذا الذي يجري بسرعة البرق، فـ نكتب إسم الكتاب أو من خطه في خانة البحث مباشرة ونُحمل الكتاب ونبدأ في القراءة.
كما أن القراءة الإلكترونية تمنعني من ممارسة عادتي المحببة أثناء القراءة، وهي التخطيط على العبارات التي أودعت أثرًا بخلدي ولامستني بطريقة أو أخرى أو حتى أعجبتني طريقة تراكيبها اللغوية وما تحويه من مُحسنات بديعية وهذا كلام لا يفهمه سوى محبو البلاغة والنقد.
وقد أفسدت كتبًا عدة بكثرة ما أخطه تحت العبارات التي توقفت عند عظمة عمقها.
وأخر المتع التي تفسدها القراءة الإلكترونية هي "التأمل" بعد الإنتهاء من القراءة .
التأمل في غلاف الكتاب أو صورة الكاتب التي عادة ما توضع في غلاف الكتاب الخلفي، والشرود حول ما قرأناه وما أحدث فينا
هل كان يستحق القراءة؟ كم يستحق من عشرة؟ هل سأكرر القراءة للكاتب من جمال ما رواه وخطه أم أعطه فرصة أخرى؟ هل كانت الترجمة جيدة ( في حال كان الكتاب لغته الأصلية ليست عربية) و . . . الخ
تطول قائمة التأمل المصحوبة بالأسئلة الكثيرة، وهذا كله لا يحدث مع القراءة الإلكترونية أو على الأقل هذا مالم أشعر به و أنا أقرأ كتاب كريستي الذي أسلفت وقلت بأنه الكتاب الأول الذي أقرأه دون أمتع بنان أصابعي بتقليب صفحاته وما دفعني لذلك هو حماستي المفرطة لقراءة الكتاب بعد مشاهدة الفيلم الذي جسد حياة كريستي بروان الذي تواصل مع العالم كله عن طريق رسوماته، شعره، وكتاباته مستخدمًا بذلك قدمه اليسرى!
أما بالنسبة للكتاب؛ فهو أشبه برواية و أبعد ما يكون عن السير الذاتية المُعتادة، فـ لغة الكاتب الأنيقة البسيطة اللطيفة و الآخذة إلى العالم نفسه الذي كان يعيشه؛ تشبه الرواية إلى حد كبير،
طريقة ترتيب الفصول وعنونتها الرقيقة جعلتني وكأنني أقرأ رواية من الأدب الإيرلندي .
خط لنا كريستي بروان في هذا الكتاب قصته التي تارة تأخذك إلى حفرة من اليأس وتارة إلى قمة جبل من الأمل.
أنا أحب هذا النوع من السير .. أُحب أن أقرأ شيئًا حقيقًا قد عاشه الكاتب وكان ذا أثر عليه ، أيًا كان نوع الأثر
فـ فكرة أن تقرأ شيء حقيقي ويجعلك الكاتب بحرفيته تعيش الحدث وتسبح في كل فصل من فصوله تجربة رائعة متعتها أجمل من الروايات التي غالبًا ما تُنسج من وحي خيال الكاتب.



نُشر في مجلة المرأة العربية

تعليقات

المشاركات الشائعة