ماذا يعني أن يموت طفلك؟

حينما رن المنبه في الساعة الخامسة والنصف صباحًا، وبينما كنت احتضن صغيري تركي الذي نهض في وقت متأخر من الليل ليكمل نومه في حضني بحب؛ قررت أن أُلغي فكرة النهوض، خاصة وأنني قضيت يوم أمس في تنظيف المنزل وغسيل الأطباق المتراكمة في مطبخي!

كانت الساعة السابعة والنصف حين نهضت أخيرًا، ولولا مضايقات صغيري توتو -كما نُحب أن نسميه- لاستغرقت في النوم لمدة أطول.

رغم أنني لا أشعر بأن جسدي أخذ كفايته من النوم ولا يزال النعاس مُتشبث برموش عيناي أيما تشبث؛ إلا أن فكرة النهوض والدخول إلى المطبخ لإعداد الفطور ووجبات الغذاء المدرسية لأولادي في مطبخ نظيف تم كنسه وتلميعه ليلة البارحة أمر مشجع ومُغري للغاية. لذا حرصت وأنا أُعدّ وأحُضر ما يلزم تحضيره بعناية للدرجة التي جعلتني أجمع النفايات التي خلفتها أثناء الإعداد وأخذتها معنا -نحن الثلاثة- عزام وتركي وأنا، إلى خارج المنزل.

لم أكن حينها أشعر بإيجابية سوى تلك التي تعتريني بسبب النظافة، لكن ما أن دخلت الحضانة لأودع فيها صغيري تركي -وعزام الذي انضم إلى أخوه بسبب تلك اللحظة التي جعلتني أُلغي فكرة النهوض مُبكرًا لمدرسته- وحين قابلت المديرة البشوشة للغاية حدّ الإفراط ودعتني إلى مكتبها لنحتسي القهوة ونتجاذب بعضًا من الأحاديث النسائية والضحك وندبّ الحظ، تغيرت مشاعري إطلاقًا.

جرّتنا الأحاديث إلى موضوع إحدى الأمهات -التي أجهل ظروفها- لكنها قامت بوضع طفلها في الحضانة بينما كان يُعاني من نوبات الحرارة، كانت المديرة مُستاءة وهي تتحدث عن لامُبالاة هذه الأم وأنها كيف تضعه بهذه الثقة وهو مريض ويُمكن للحرارة أن تجعلها تخسر ابنها!

 استرسلت المديرة في حديثها إذ وعلى ما يبدو وأنني شخص يمكنك أن تفتح قلبك له دون تردد، رغم أنه أرى نفسي فاشلة جدًا في المواساة، ما أن أسمع بمأساة أحدهم أتلخبط ولا أعد أعرف ماذا أنتقي من مفردات اللغة المناسبة التي من شأنها تخفف لوّعة الحزن في الشخص الماثل أمامي.

ماذا يعني أن يموت طفلك؟ كان الحديث يدور حول هذا التساؤل. وعن ثقة الشخص المُطلقة بأن أبناءه سيظلون أحياء بشكل مُطلق، وأن عمره هو أقصر من أعمارهم، بمعنى أن رصيده من أيام يقضيها في هذه الحياة أقل بفارق عدد السنوات التي تفصل بين الشخص وأبناءه منذ اللحظة التي ولدوا فيها.

في يوم عادي لا يختلف عن سابقه من الأيام؛ ذهبت الأم رحاب إلى منزل أهلها مثل أي امرأة تزور أهلها لتوديعهم قبل أن تُسافر لتكمل دراستها في الخارج، وبينما كانت تُعد لابنتها وجبة خفيفة تطرد عنها الجوع، لم تجد رحاب ابنتها.

فتشت في كل مكان في المنزل، في كل غرفة وفي كل طابق، في الحوش وحتى السطح الذي هو أمرٌ مستبعد أن تجدها فيها.

لكنها أخيرًا وجدت ابنتها تطفو على الماء، وكأنها مُسلمة أمرها له.

كان من المفترض أن تسافر رحاب في اليوم التالي، لكن وحده القدر غير مجرى القصة.

فقدت مديرة الحضانة ابنتها، غريقة في المسبح.

كانت تحكي لي قصتها بتسليم وقبول وحزن يمكن أن يُرى في عيناها، وكان وحده السؤال هذا الذي يرن ناقوسه في رأسي.

ماذا يعني أن يموت طفلك؟ ما الذي بالفعل يوّلد فينا هذا الشعور؟ شعور وكأن كلًا منا يمتلك صك ضمان أمان وبقاء، وأن الفقد لن يأتي في لحظة لم نتوقعها مثل تلك اللحظة التي كانت تُعد فيها رحاب الطعام لابنتها، لكنها سرقتها منها للأبد.

تعليقات

المشاركات الشائعة